11‏/07‏/2017

على العالم استشعار واجبه امام الازمة الانسانية الحاصلة في اليمن

*"لطالما تمنيت لو لم يعش اليمن هذه الحرب, لطالما وددتُ بان تتوفر مقومات الحياة الأساسية كالغذاء, الكهرباء و المياه النظيفة من أجل العودة اليها والعيش فيها سعداء".
سنجد أن كل طفل يمني ذو العشر سنوات يروي لنا أحلامه وتطلعاته بعودة السلام إلى اليمن, فالصراع المحتدم فيها جعل من شبح المجاعة هاجساً يسيطر على الشعب اليمني, اضف إلى ذلك ان ما يقرب من ثلاثمائة وعشرون الف طفل يعانون بالفعل من سوء تغذية حاد.
وعلى الرغم من الافتقار إلى وجود الاحصائيات الدقيقة إلا أن العديد من التقارير تشير إلى أن العديد من الأطفال الذين ولدوا خلال فترة الصراع توفوا وذلك نتيجة لسوء التغذية الحاد وانهيار النظام الصحي في اليمن. فبعد مرور ثمانية عشر شهراً  من اندلاع الحرب في هذا البلد الذي يعتبر من افقر دول العالم، غرق اليمن في وضع اسوء مما كان عليه.

ففي العام الماضي لخص بيتر مورير، رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، النتائج المأساوية  المترتبة لهذه الحرب. حيث اعتبر ان الوضع المأساوي الذي تعيشه اليمن بعد مرور خمسة اشهر  على الحرب اشبه بالوضع الذي تعيشه سوريا بالرغم من مرور خمس سنوات على اندلاع الصراع فيها. فالأضرار شديدة الاثر تنمو بشكل يومي في الساحة اليمنية كما أن احد الأسباب التي قد تؤدي إلى الوفاة في اليمن لم يعد حكراً على الرصاص والقذائف، فالانخفاض الشديد الذي اصاب القطاع الاقتصادي والقطاع الصحي يتصدران القائمة.


لم يعد بإمكان احد حصر عدد الذين ماتوا بسبب الوضع الإنساني الكارثي الذي تعيشه اليمن من الاقرباء والأصدقاء. فبعد الاعلان عن فشل محادثات السلام والظهور المبكر لشبح المجاعة, يعتبر الشغل الشاغل الذي يؤرق هاجس الشعب اليمني هو كيفية توفير الغذاء والخروج من هذا المأزق اكثر من سعيهم نحو ارساء السلام.


الغذاء والسلاح وجهان لعملة واحدة
تعيش البلدان التي تصطلي بنيران الحروب مراحل تمهيدية قبل اندلاعها فيها, فشحة المواد الغذائية يعتبر من أهم الاسباب حيث ساد الجوع بالفعل في اليمن قبل وقت طويل من بدء الحرب في شهر مارس من العام 2015, وبالتالي خيم شبح انعدام الامن الغذائي على اليمن منذ سنوات عديدة الى ان  وجد اليمن نفسه في اخر مؤشر للتنمية البشرية الذي ابتكرته هيئة الامم المتحدة والذي يشير إلى مستوى رفاهية الشعوب, هذا في الوقت الذي جنى فيها الرئيس المخلوع على عبد الله صالح المليارات.


ادت ثورات الربيع العربي التي جابت اصقاع اليمن إلى تدهور القطاع الاقتصادي وبحسب التقرير الصادر عن منظمة هيئة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو" في العام 2014 فقد ثار الشعب ضد الفساد المتفشي في البلد, عدم المساواة الاجتماعية والتوزيع غير العادل للثروة الوطنية.


 اضف إلى ذلك الوهن الذي اصاب قطاع التنمية الاقتصادية والاجتماعية في السنوات الأخيرة والذي يرجع في المقام الاول إلى عدم الاستقرار وضعف الإدارة.


أما اليوم فقد تأزم الوضع بشكل ملحوظ جراء الصراع الدائر في اليمن ومن جانبه فقد اشار برنامج الأغذية العالمي" بي إي أم" إلى ان نقص الوقود والقيود المفروضة على الواردات ادى إلى نقص شديد في السلع الغذائية في اليمن وبالتالي فهذا من بين اهم الاسباب التي ادت إلى تدهور الوضع العام في اليمن.


بيد أن السبب الرئيسي الذي ادى إلى تدهور الوضع الاقتصادي وخلق ازمة غذائية -مجاعة- يتلخص في استخدام الغذاء كسلاح في اوقات الحروب من قبل جميع الاطراف.


فرض التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الحصار على الموانئ الرئيسية في اليمن مما يعرض حياة الملايين من الشعب اليمني للخطر جراء انعدام المشتقات النفطية في المرافق الطبية  اضافة إلى شحة المواد الغذائية والمستلزمات الطبية.


اشار احد الصحفيين التابعين لهيئة الامم المتحدة إلى ان وكالات الإغاثة تكافح من أجل  تقديم المساعدات الإنسانية للشعب اليمني في الوقت الذي تعكف فيه الرياض على شد وثاق الخناق على المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون, اضف إلى ذلك فقد عمدت قوات التحالف العربي على تدمير ما يقرب من 90%  من الجسور و الطرق الرئيسية التي من خلالها يمكن لمنظمات الاغاثة إيصال المساعدات التي تشرف عليها هيئة الامم المتحدة.


وفي نفس الوقت فهذا لا يدرأ هذه التهم عن القوات التابعة  لجماعة الحوثي الموالية لعلي عبد الله صالح فهم يستخدمون نفس الاساليب التي سبقتهم اليها قوات التحالف العربي, ذلك انهم عاكفون على استخدام المواد الغذائية كسلاح في مناطق احتدام الصراع كمدينة تعز. فالسكان المحاصرون في هذه المدينة لم يعد بمقدورهم الحصول على الموارد المائية, المواد الغذائية والمشتقات النفطية جراء اطباق الحصار على المدينة.


ادى هذا الوضع إلى انشاء ما يعرف بالسوق السوداء حيث ترتفع أسعار السلع الأساسية مما يسمح لعدد قليل من الناس الحصول عليها.


ونتيجة لذلك فان ضنك الحياة وشحه المواد الغذائية سيد الموقف العام في اليمن, ففي الفترة التي سبقة اندلاع الحرب في اليمن اشار البنك الدولي إلى ان ما يقرب من 50% من الشعب اليمني يعيشون تحت مستوى خط الفقر  ولكن هذا الرقم واصل السير قدماً حتى وصل إلى 80٪.  


ايقاف المجاعة:


تشير هذه الاحصائيات الصادمة إلى ان اليمن اصبح على شفا جرف هار فشبح المجاعة يطارد الشعب اليمني ناهيك عن عدم وجود  شيء يوحي بان الحرب شارفت على الانتهاء.


مر اكثر من عام على الحرب في اليمن إلا ان المجتمع الدولي اختار ان يغض طرفه عما يحصل فيها, فكل المؤشرات تدل على وقوع اليمن في شرك المجاعة فهذا الامر اصبح وشيكاَ و لا مفر منه.


ان خطر المجاعة الذي يتربص باليمن يُعتبر اشد وطأه من انتهاكات حقوق الانسان كما انه لمن العار ان نرى الخطر الذي يحدق باليمن رغم انه بلدا يحادد أغنى بلدان العالم.


ما الذي ينتظره المجتمع الدولي  من اجل العمل على إيقاف هذا البلد من السير نحو الهاوية, فالعديد من التقارير و الشهادات تجسد المعاناة التي لا يزال يتجرعها الشعب اليمني.
ان الشئ الوحيد الذي سيعمل على اعادة الحياة لهذا الشعب يكمن في تكثيف الجهود الإنسانية والدبلوماسية الدولية, فاليمن بحاجة إلى تكافل عالمي من اجل الحد من تفاقم الازمة الانسانية التي تهدد ثمانية وعشرون مليون نسمة.  

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*بقلم : افراح ناصر. نُشر المقال أولاً على موقع ميديل ايست اي بتاريخ ٣١ أغسطس ٢٠١٦. الترجمة الى العربية من قبل اسماء بجاش