17‏/06‏/2017

المتطوعون .. معنى الإنسانية



منذ عامين وأنا أعمل متطوعة في مركز للاجئين "غير الشرعيين"، أي لاجئون مقيمون بالأسود بدون أوراق قانونية، وهذه الفئة لايطلق عليها اليوم في السويد ب "غير الشرعيين" وإنما لاجئين بدون أوراق أو غير موثقين لأن المصطلح الأول مرفوض في أرض السويد. بالرغم من أننا في أرض الجليد، أَجِد دفئ الإنسانية في مركز اللاجئين. المركز متخصص في توفير الإستشارة الطبية، الإستشارة القانونية، توفير الغذاء ولوازم المواليد الجدد والثياب المستخدمة وأمور من هذا القبيل. المتطوعون في المركز شبكة من الأطباء/الطبيبات، الممرضين/الممرضات المحاميين/ات والمحاسبين/ات والمترجمين/ات، وأنا دوري متطوعة مترجمة شفوي فوري من عربي/سويدي إلى جانب متطوعين أخرين مترجمين للغات عديدة. يتخذ المركز من كنيسة في ضواحي يتبوري كمكتب وفي وسط الأسبوع، كل يوم أربعاء منذ حوالي ١٩٩٨ يفتح أبوابه لكل شخص في معوزة من أصحاب اللجوء بدون أوراق، من يعيشون بالأسود في المدينة.

أسود يعني حياة تعيسة بكل ماتعنيه الكلمة من معنى. أن تعيش بالاسود يعني أنه تم رفضك من قِبل مصلحة الهجرة في السويد وأنهم على أعتاب أن يُرحلوك إلى أي مكان، إن شالله تروح في "ستين داهية"، المهم أنه أنت مرفوض في السويد لأسباب مخالفة للقانون. وعليه، إذا ماأصريت أن تظل في السويد فأنت فتح نافذة الحياة السودة على مصراعيها. ليس بمقدور اللاجئ بدون أوراق قانونية أن يتمتع بأبسط الحقوق الحصول على سكن والعمل وفتح حساب في البنك والدراسة وأمور عديدة - إلى فترة لاتتجاوز الخمس أعوام كان أيضا هذا اللاجئ محروم من الرعاية الطبية، حتى تكلل بالنجاح كفاح عدد من النشطاء في هذا المجال بأن سمح القانون السويدي بأن يكون لأي شخص الحق في الحصول على الرعاية الطبية الطارئة إذا ماكنت لاجئ بدون أوراق قانونية.

بالعودة للمركز، أتطوع أسبوعياً وأترجم زيارات اللاجئين خلال لقاءاتهم مع الأطباء أو المحامين. ولأني ملزمة قانونياً وأخلاقيً بأن لا أفصح عن أي تفاصيل يخبر عنها اللاجئ، أشعر بأني سأنفجر. القصص تقشعر لها الأبدان. الذي أتى من العراق أو سوريا أو كردستان أو مصر أو لبنان .. قصص مفزعة. ومع هذا، يريد القانون السويدي ترحيلهم الى أوطانهم -المنكوبة بالحروب- أو من حيثُ أتوا، لأن قضيتهم تخالف هذا البند او ذلك في القانون السويدي. طز في كل القوانين. يعني اللي عمل القوانين مابيشوف الأخبار؟؟!!

ألم أرد أن أتطوع في أي شيء، بدلاً من أن أتسمر أمام التلفاز وأنا اشاهد الأخبار والمآسي تكبر من بلد عربي الى آخر؟ ألم أكن أريد أن أشعر أنني لا أقف ساكنً؟

أسئل نفسي كل مرة أريد فيها أن أترك التطوع حتى لا انفجر. فقضايا اليمن تدمي قلبي يوماً بعد يوم.

عموماً، أنا أخبركم بكل ذلك ليس لشيء وإنما لأخبركم عن شبكة المتطوعين في المركز. ياخي يعلموك معنى الإنسانية، يعلموك إن في بعض كفار أحسن من بعض المسلمين. المتطوعون، حسب المثل العربي، هم أشخاص يعملوا الخير ويرموه في البحر. ورغم كل الظلم، هناك أشخاص يعملوا بدون كلل ولا ملل لمحاربة النظام الظالم الذي يتجلى بأشكال عديدة في بلد يعتقد الكثيرون أنها الجنة على الأرض.

تحية من القلب لكل شخص متطوع ومتطوعة. لابد من أن تفتخر بتطوعك، فغيرك يعمل أيضاً لتدمير ما تبقى لأي معنى للإنسانية، كمصلحة الهجرة السويدية التي تعمل على ترحيل أناس أتوا من قعر الموت والألم: من العراق وسوريا وأفغانستان ووو....

الصورة: من اجتماعنا الليلة قبل أن نستهل عملنا لليوم.