08‏/03‏/2019

قوانين غير منصفة وتمييز: هكذا تحتفل النساء العربيات بيوم المرأة العالمي



يحل يوم مرأة عالمي جديد هذا العام، والقليل قد تغير فيما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية الذي تسبب ولا يزال يسبب ظلماً كبيراً للمرأة في معظم الدول العربية، التي تتشارك في الكثير من هذه القوانين التي تتعارض مع المساواة والتعامل مع المرأة كمواطن له حقوق وواجبات بدون تمييز على أساس الجنس. ولكن السؤال هو ما سبب كل هذا التأخير؟ جانب من الإجابة مرتبط بالمناخ السياسي العام في البلدان العربية، وتقييد الحريات وخاصة بالنسبة للنساء، حيث نرى أن عدداً كبيراً من أولئك اللواتي أردن فعلاً العمل على تغيير ما، اضطررن لمغادرة دولهن والبحث عن موطن مؤقت جديد خوفاً من الترهيب والاعتقال أو حتى .. الأسوأ.


نزيهة سعيد، 38 عاماً، صحفية من البحرين، عملت مع قناة فرانس 24 وراديو مونت كارلو، نالت نصيبها من الترهيب، حيث واجهت حملات متكررة من النقد ومنعت من السفر خارج البحرين في شهر يونيو 2016 بعد اتهامها بممارسة مهنة الصحافة من دون ترخيص. كما سبق أن اعتقلت بعد التظاهرات في مايو 2011 وتعرّضت للتعذيب أثناء التحقيق. غادرت نزيهة البحرين لتستقر في أوروبا. تقول نزيهة أن وجود نساء في مناصب عليا في البحرين لا يعني أن الأمور تغيرت وتشرح ذلك بالقول: "رئيسة البرلمان البحريني امرأة، مع احترامي لشخصها، إلا أن وجود امرأة على رأس البرلمان وهي لا تستطيع منح أبنائها جنسيتها بالنسبة لي دعابة سمجة، كذلك ما معنى أن تشغل المرأة منصب رئيسة جمعية الصحافيين بالإضافة لمنصب الوزيرة والمديرة وغيرها من المناصب في ظل غياب حقوق أساسية للنساء. أرى أنه في كثير من الأحيان يتم استخدام النساء كدمى من قبل النظام السياسي لتجميل صورته."


تتمتع النساء بالبحرين بعدد من الحقوق مقارنة بالدول المحيطة بهن، مثل حق المرأة البحرينية في الانتخاب والترشح، بالإضافة إلى الخطوات التي يقوم بها المجلس الأعلى للمرأة لأجل النهوض بالمرأة وتعزيز مكانتها في المجتمع، إلا أن المرأة البحرينية كما تشير نزيهة: "لازالت لا تستطيع إعطاء جنسيتها لأبنائها وهو أبسط حقوق المواطنة، كذلك هي لا تستطيع استخراج الكثير من الوثائق سواء لها أو لأبنائها إلا بحضور ولي ذكر من الدرجة الأولى من القرابة،" وتضيف: "أما الزواج والطلاق والنفقة وحضانة الأطفال فجميعها تنظر في المحاكم الشرعية التي يديرها رجال دين من الطائفتين السنية والشيعية، لذا فأن الأحكام الصادرة مختلفة بحسب مزاج رجل الدين وتفسير الآيات وانحياز رجل الدين لطرف ضد الآخر."


من اليمن، تحدثت مع أفراح ناصر، 34 عاماً، من اليمن، كاتبة نسوية مقيمة في السويد، تركز في كتاباتها على الحاجات الآنية للنساء في اليمن، وقد بدأت عملها في صنعاء عام 2008. لا شك أنه من الصعب الحديث عن حقوق المرأة في بلد تقتله الحرب والمجاعة والكوليرا التي لا تفرق بين رجل وإمرأة وطفل: "أكبر مشكلات النساء كانت ولا تزال هي التمييز المؤسسي بين الجنسين والمصاعب الاجتماعية الاقتصادية نتيجة لحكم اليمن الفقير منذ فترة طويلة،" تقول أفراح: "لكن المشكلة الكبرى اليوم هي الحرب لهذا تبدو مشاكل الأمس وكأنها الأيام القديمة الجيدة التي نتحسّر عليها."


تشير أفراح الى حادثة تذكرتها اليوم: "استيقظت اليوم وتذكرت حادثاً مروعاً حصل عام 2017 حيث قامت امرأة تبلغ 40 عاماً في محافظة إب في اليمن قامت بابتلاع السم لإنهاء حياتها. وتسممت معها ابنتيها البالغتين 9 و 12 سنة، هذه عيّنة من معاناة النساء هناك."

تضيف أفراح الى أن الوضع في اليمن اختلف كثيراً بين عام 2008 واليوم. "في ذلك الوقت كان الوضع مسالماً وكانت تتاح للنساء الفرصة للمطالبة بحقوقهن. على سبيل المثال هذه صورة من عام 2010 عندما كنت أتظاهر مع زملائي النساء، مطالبين بمنع زواج الأطفال، أما اليوم فباتت أولوياتنا متغيّر بحسب المساحة المتاحة والوضع. اختيار معركتك أمر حتمي مع انتقال اليمن من انتفاضة اليمن في 2011 لعملية انتقال سياسي، إلى حرب أهلية والآن حرب إقليمية ودولية."

على الرغم من صعوبة الوضع، ترى أفراح أن للمرأة دور مهم في وقف جرائم الحرب في اليمن: "يمكن أن نحصل على كسب التأييد لحقوق المرأة في اليمن من مستويات عديدة؛ على سبيل المثال، أولاً من خلال دفع صانعي السياسة الدوليين إلى التركيز على حقوق المرأة في اليمن في أي تعاون لديهم مع اليمن - أو من خلال تضخيم نشاط النساء الأخريات اليمنيات وتسليط الضوء عليهن أكثر. لقد أتيحت لي الفرصة لأكون جزءًا من الطريقتين - لكنني أفضل أن أشجع عمل النساء الأخريات من خلال كتاباتي."


وضع اليمن لا يختلف كثيراً عن سوريا، التي شهدت حرباً مدمرة لا تزال مستمرة من ثماني سنوات وأن كان الوضع قد هدأ حالياَ. هبة المحمد، 24 عاماً، ناشطة بحقوق المرأة والمجال الإنساني من سوريا، تقول أن التغيرات السياسية والعسكرية في سوريا انعسكت بطريقة واضحة على النساء لجهة حرمانهم من بعض الخدمات أو تعرّضهم للاستغلال الجنسي حسب الجهة التي تسيطر. وكانت عدة منظمات دولية صندوق الأمم المتحدة قد كشفت بين عامي 2017 و 2018 وجود انتهاكات في مجال الإغاثة الإنسانية، ومنها تقرير - أُعد لصالح صندوق الأمم المتحدة للسكان - كشف النقاب عن أن عمليات مقايضة المساعدات بالجنس لا تزال مستمرة في جنوب سوريا.

القضية في سوريا كما تشير هبة، ليست مشكلة قوانين، بل مشكلة عادات وتقاليد كما تقول: "قوانين الطلاق والانفصال والحضانة تكاد تكون غير مهمة في سوريا على الرغم من وجودها، لأنه في حال حصول طلاق، حتى لو كان القانون يقف إلى جانب المرأة ويمنحها حق الحضانة، هناك عادات وتقاليد تسيطر عليها من قبل المجتمع، حتى إن كان القانون يدعمها، المجتمع سيمنعها، بمعنى أن المجتمع نفسه يهمّش القانون أحياناً. للأسف المجتمع يلعب دوراً أقوى من القانون في عدة مناطق في سوريا، كحرمان المرأة بشكل كامل من حقها في الإرث حتى لا تذهب حصتها لزوجها الحالي أو المستقبلي."

تشير هبة إلى أن النظام السوري الحاكم يحاول إعطاء صورة تجميلية عن وضع المرأة، ولكنها أمور"شكلية، وأبسط مثال هو عدم وجود نساء في مناصب صنع القرار،" تقول هبة وتضيف أن الوضع اليوم أسوأ في مناطق سيطرة المعارضة "حيث يتم النيل من حقوق المرأة تذرّعاً بالوضع غير المستقر والحرب فيُصار إلى لوم عدم الاستقرار الأمني على كل ما يحصل من انتهاكات لحقوق النساء وتبرير عدم وجود الوقت لنشر حملات توعية ودعم."

ومن سوريا للعراق. سهى عودة، صحفية وإعلامية إذاعية عراقية من مدينة الموصل، تتحدث عن ارتفاع حالات العنف ضد النساء في العراق قبل وبعد انسحاب داعش، وأبرز الانتهاكات ضد النساء تحصل في المخيمات ومنها الابتزاز الجنسي، كما في حالة سوريا. فقد ذكرت تقارير عديدة تسجيل حالات من الابتزاز الجنسي في مخيمات العراق وتحديداً المخيمات التي تقبع فيها العائلات التي يتهم أبناؤها بأنهم من أعضاء تنظيم "داعش" في منطقتي نينوى والأنبار. كما شهد العراق حالات قتل غير مبررة لنساء ومنهنّ خبيرتا التجميل رفيف الياسري ورشا الحسن والناشطة الحقوقية سعاد العلي وتارة فارس – ولم تضح حتى اليوم أسباب القتل الحقيقية.

"لدينا حتى اليوم مواد قانونية تحرّض على قتل النساء ومنها المادة 409 من قانون العقوبات العراقي تحت مسمى غسل العار، حيث يصدر القانون العراقي أحكاما مخففة على الرجال الذين يقتلون زوجاتهم أو بناتهم تحت هذه الذريعة،" تقول سهى: "كما أنه ليس لدينا قوانين خاصة بالتحرش والابتزاز الجنسي، والبرلمان العراقي رافض حتى اليوم الموافقة على تشريع قانون الحماية من العنف الأسري، الذي كان يجب أن يشرّع من الدورة السابقة ولكن تمت المماطلة به وما زلنا ننتظر حتى اليوم."

تشير سهى أن صعوبة تشريع هذا القانون مرتبط بالخلفيات البرلمانية لأن المشاركون ذوو خلفيات عشائرية ودينية تعارض إعطاء أي حقوق للمرأة. "بعض الخيبات أيضاً تتمثل بنسبة تواجد النساء في مراكز القرار، حتى الموجودات غير قادرات على إحداث تغيير حقيقي اليوم. عندما تكون رغبتك بالتغيير لا تتلاءم مع رغبة المجتمع يتم وضعك في خانة التخوين ومحاولة عزلك لأنك مختلفة، وهو أمر نختبره كنساء طوال الوقت. والمرأة بحد ذاتها تشكل تحدياً لأنها ترعرعت في مجتمع مشابه لذا نجد أن لدى بعض النساء أفكار ذكورية أيضاً."


الليبية أسمى خليفة، 29 عاماً، التي تقيم في أوروبا وتتنقل للعمل بين تونس وليبيا، وقد ساعدت بإطلاق عدد من المبادرات لدعم المرأة، تشير إلى أن ليبيا كانت تعتبر متقدمة بشكل شكلياً مقارنة بعدد من البلدان الأخرى فيما يتعلق بالطلاق والحضانة تحديداً. "بالنسبة لقوانين الزواج، فالسن القانوني للزواج هو بين الـ 20 و 21 سنة، كما اعتمدت ليبيا قانونية تسجيل الزيجات مدنياً في المحكمة. إلا أن الأمور تغيرت بعد الحرب الأهلية عام 2014،" تقول أسمى التي تتابع دراستها للحيازة على الدكتوراه في تأثير الحرب على العلاقات بين الوكالات وبين الجنسين، وتضيف: "حاول البرلمان الليبي تعديل قوانين الزواج لجعله أكثر تقييداً وخفض السن القانوني للزواج، وحاولوا أيضاً طرح فكرة "بيت الطاعة" للنساء. ولكن حتى مع عدم تشريع هذه القوانين، الخوف الأكبر هو من إمكانية اتباعها في المناطق الريفية حتى وإن لم تكن مشرّعة قانونياً."

وتضيف أسمى: "إلى حدٍ ما، لا تهم تقدمية القوانين ما لم تكن لدينا آليات مفعّلة للمتابعة والتطبيق، وكون بلادنا والحكومة تعاني من الشلل التام للقيام بشيء حيال ذلك، لذلك من الناحية العملية لا توجد قوانين كافية لحماية النساء بشكل تام، وهنا عندما يحصل الخلاف وفي حالات كثيرة، غالباً ما تتدخل العائلات أو العشائر وعادةً يكون تأثير ذلك التدخل سلبياً."

الصحفية المصرية جيجي رجب، 26 عاماً، تركز في عملها الصحفي وبحثها الجامعي الذي تتابعه حالياً في الولايات المتحدة على انتهاكات حقوق الإنسان والقضايا الاجتماعية. مصر طبعاً قصة كبيرة، فهناك نظام قمعي على الرجال والنساء ولكن إذا تحدثنا عن المرأة بشكل خاص، تشير جيجي الى من الصعب أن تكوني امرأة بشكل عام في مصر وتضيف: "من أكثر الأمور تشويشًا حول كونك امرأة في مصر هو التحرش الجنسي." ويعتبر التحرش مشكلة أساسية في مصر حيث تشير دراسات عديدة إلى أن معظم النساء تعرضن له، وغالباً في الشارع أو وسائل النقل العام، فيما تعتبر القاهرة من أخطر المدن للنساء.

"قانون الأسرة في مصر غير عادل للمرأة على الإطلاق بالنسبة للميراث وللزواج والطلاق وحضانة الأطفال. بالنسبة للطلاق والحضانة، يمتلك الرجل المزيد من الحقوق التي تتيح له الحصول على حضانة الأطفال حتى إذا تزوج مرة أخرى، فيما لكن يمكن للمرأة أن تفقد طفلها بسهولة في حال قررت الزواج، وفقًا للقانون والثقافة العامة،" تضيف جيجي: "أعترف بأن لدينا مبادرات كبيرة لحقوق المرأة تعمل دائمًا على إصلاح الأمور وتغيير القوانين أو تعديل القوانين الحالية، لكن الموجود الآن تمييزي بامتياز."

طبعاً، من الصعب الحديث عن حقوق المرأة، بدون الحديث عن السعودية، سُمح للنساء أخيراً بسياقة السيارات، ولكن نظام الولاية لا يزال يتحكم في كل مفصل من حياة السعوديات وتتعرض الناشطات إلى الاعتقال (والتعذيب الجسدي حسب بعض المصادر) لهذا كان هناك تخوف من الحديث معي عن مطالب المرأة حالياً. في النهاية، قبلت ناشطة سعودية الحديث معي ولكن فضلت عدم مشاركة اسمها والحديث أكثر في العموميات. تشير الناشطة السعودية الى أن المشكلة الأساسية في بلدها هي العقليات الذكورية التي ترفض وجود امرأة مستقلة تُدير أمورها بنفسها وتضيف: "هذه العقليات الذكورية، سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً على فكرة، تحاول أن تضع العقبات تلو العقبات للمرأة المستقلة والتي ترى في نفسها كيان يستحق الاحترام. لكن الذي أثق به كثيراً هو أن هذه النوعية تمثل نفسها تماماً، وتمثل موروثها الذي تظن أنها قادرة على فرضه على الآخرين. طبعاً. هذه النوعية موجودة في كل المجتمعات وإن اختلفت نسبهم ومواقعهم الاجتماعية."

على الرغم من ما كل الظلم الذي تتعرض له الناشطات والنساء في السعودية، إلا أن هذه الناشطة واثقة بالمستقبل، لأنه لا سبيل للعودة للخلف، الطريق هي الى الأمام فقط: "أنا واثقة جداً أن كل شيء سيكون أفضل، نحن نمضي قُدماً في مجال حقوق المرأة، بصرف النظر عن "العوائق" الحالية. هناك مستقبل مُشرق بانتظار النساء أنا متأكدة من ذلك."

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ