10‏/01‏/2018

هل الحل السياسي ما يزال ممكنًا في اليمن؟



*يشير انتهاء الحلف بين صالح والحوثي إلى بداية فصل جديد في الصراع اليمني المستعصي. عقب موت صالح بأسبوعين، قامت الفصائل المتحاربة تكثيف تصعيد عملياتها العسكرية، مما زاد من تكلفة الضحايا البشرية الباهظة بالفعل. بالرغم من الإرث الذي تركته تكتيكات صالح المدمرة والقمع، إلا أن موته يقوض من جهود حل الصراع. إذ أن الحوثيين -وهي جماعة غير عقلانية تفتقر إلى الخبرة السياسية- يشكلون شريكاً عاطفياً لا يعتمد عليه على طاولة المفاوضات. مع وفاة صالح، فإن فرصة التفاوض مع طرف براجماتي ذي علاقات سياسية ودبلوماسية راسخة على الصعيدين المحلي والدولي لم تعد موجودة. يبقى في اليمن ما بعد صالح سؤال: هل ما يزال هناك افق لحل سياسي؟

القضية الأخطر فيما يتعلق بجهود التفاوض هو غيابها لمدة تزيد عن عام. قبل موته بأيام، قدم صالح نفسه كمفاوض، معبرًا عن استعداده للمحادثات مع المملكة العربية السعودية. لو أنه ظل على قيد الحياة، لكانت هذه المحادثات قد تم تفعيلها عن طريق إطار عمل تحت إشراف الأمم المتحدة، بقرار مجلس الأمن رقم 2216، والذي دعا صالح لتغيير سياساته التي تزعزع الاستقرار، ووقف جهود تسهيل تسليح الحوثيين، والعودة إلى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني. منذ موته، لم يمرر مجلس الأمن قرارا معدلًا متماشيًا مع التطورات الأخيرة، وبدلًا من ذلك، عُقد اجتماعاً مغلقاً حول الوضع في اليمن، وببساطة طالب المجلس بعدم التصعيد.

ومع الافتقار الواضح للإلحاح على إعادة إنتاج الحل السياسي، فإن الاقتتال على الأرض قد تصاعد، وظهرت أحلاف جديدة تنذر بالمزيد من التصعيد العسكري. على الرغم من ضرورته، إلا أن مناقشة حل سياسي جديد للصراع يبدو سابقًا لأوانه الآن. والسبب ليس فقط الرغبة المتزايدة في المنافسة العسكرية التي أدت إلى تقويض احتمالات التوصل إلى حل تفاوضي، بل أيضا النهج التكتيكي المعيب الذي تقوده السعودية والذي يهدف إلى توحيد الفصائل المحلية اليمنية ضد الحوثيين.

بينما لا يستطيع أي من المعسكرين السعودي أوالحوثي ادعاء الغلبة العسكرية، فإنالحوثيين اكتسبوا قوة عسكرية هامة منذ اندلاع الحرب. عقب السيطرة على صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014 بدعم من صالح، تمكن الحوثيون من الحصول على موارد ذات قيمة من الجيش الوطني المُفتت. وبسبب انتصاراتهم المبدئية والدعم الإيراني والشهوة للسيطرة الكاملة قابل الحوثيين أي معارضة بالعنف. خيانة صالح بالنسبة لهم تبرر إعدامه المهين، والقمع اللاحق لكل من تحالف معه. نشرت الصحف المحلية في تقاريرها تهديدات الحوثيين وقصفهم للقبائل المنشقة الداعمة لصالح.

وعملاً بمبدأ “الرابح يأخذ كل شيء”، يفتقر الحوثيون إلى الحكمة والفهم الدقيق مما أدى إلى تقويض جهود الدبلوماسية القبلية المحلية في حل الصراعات المحلية. ومع قلة الاهتمام بأي مفاوضات حتى المحلية منها، فإن فرص انخراطهم مع مفاوضين دوليين بحسن نية يبدو غير وارد.

على الجانب المقابل، استفاد عضو رئيسي في التحالف الذي تقوده السعودية من الوضع الجديد. فقد اتخذت الإمارات خطوات لإعادة التحالف مع عدو قديم، ألا وهو حزب الإصلاح السياسي (النسخة اليمنية من جماعة الإخوان المسلمين)، وذلك لقتال الحوثيين. يأتي تزاوج المصالح هذا استكمالا لتحالف قصير مع صالح ضد عدوه القديم، الحوثيين. إن التحول الأخير ينبئ بأن التحالف بقيادة السعودية يهدف إلى توحيد قوات المؤتمر الشعبي العام التابعة لصالح، مع قوات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وقوات الحراك في الجنوب والإصلاح لهزيمة الحوثيين. إلا أن كل هذه الفصائل لديها عداوات تاريخية عميقة حيال بعضها البعض، مما يهدد فاعلية هذا الحشد.

سنح تزاوج المصالح بين مختلف الفصائل اليمنية لكل فصيل بالبقاء على قيد الحياة في مناخ سياسي شديد التقلب. فكل فصيل يعيد ترتيب مصالحه اعتمادًا على الآليات السياسية والعسكرية. ولكن علينا أن نتعلم من درس موت صالح بأن هذه التحالفات الهشة لا محالة ستنهار وقد تأتي بنتائج عكسية.

بالنظر إلى الترتيبات الحالية، فإن الصراع في اليمن لا يبدو أنه سينتهي من خلال تسوية رسمية يتم التفاوض عليها عبر نفس إطار العمل للأمم المتحدة الذي نتج عن الحوار الوطني وقرارات الأمم المتحدة السابقة. فقد أدت الحرب الأهلية التي تقترب من عامها الرابع والتدخل العسكري بقيادة السعودية إلى عداوات لا حل لها بين الفصائل اليمنية المختلفة. قتل صالح الأب الروحي لحركة الحوثيين، حسين بدر الدين الحوثي، وهو ما أدى جزئيًا إلى اغتياله. المطلوب من حزب الإصلاح اليوم هو التصالح مع بقايا قوات المؤتمر الشعبي العام، بالرغم من الرغبة في الانتقام من عداء المؤتمر الشعبي العام ضد الحزب أثناء تحالف صالح مع الحوثيين. مطلوب أيضًا من قوات الجنوب أن تكون العمود الفقري للقوات المحاربة للحوثيين، لكنها مازالت تؤوي سلسلة من الانفصاليين. وأي جهود للسلام تتجاهل الانقسام المتنامي والمظلومية التاريخية محكوم عليها بالفشل. على الحل السياسي أن ينتصر في النهاية، لكنه سينتصر فقط إذا ما وضع في اعتباره هذه التحديات القديمة والوليدة.

في الوقت الذي تتردد فيه الفصائل المتحاربة في إلقاء سلاحها، فإن الشعب اليمني يواجه مجاعة كبيرة وانتشار كبير غير مسبوق لوباء الكوليرا. ومع ذلك، فإن نهجا دوليًا أكثر صرامة لإيجاد حل سياسي في اليمن يمكن أن يساعد في الحيلولة دون مأساة أكبر في اليمن. هناك مصلحة أخلاقية واستراتيجية في إحلال الاستقرار في اليمن.

_________________________________________________________


*بقلم \ أفراح ناصر، صحافية ورئيسة تحرير مجلة صنعاء. @Afrahnasser

نُشر المقال أولاً على موقع مركز الأتلانتيك بتاريخ ٥ يناير ٢٠١٨.