27‏/09‏/2017

فشل الأمم المتحدة المتزايد في اليمن


بالرغم من المحاولتين الفاشلتين السابقتين لتمرير مشروع قرار لتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة تابعة للأمم المتحدة حول جرائم الحرب المحتملة في اليمن، فإن 67 منظمة حقوقية بادروا بند أخر يطالبون فيه بتشكيل لجنة تحقيق في هذا الشأن. إن المطالبة بتشكيل لجنة من غير المحتمل أن تنجح، لكن إذا تم تشكيلها فإنها تواجه مخاطرة أن يتم خطفها من جانب مصالح الدول وأن تفشل في محاسبة بعض الأطراف، خاصة أعضاء الائتلاف الذي تقوده السعودية، والتي تتمتع بنفوذ في الأمم المتحدة.

قتل حوالي 10 آلاف مدني في حرب اليمن – وهو ما تسميه الأمم المتحدة الأزمة الإنسانية الأكبر في العالم. من الغريب أن مختلف هيئات الأمم المتحدة يعلنون أرقام مختلفة. في العام الماضي صرحت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بأن هناك 10 آلاف مدني تم قتلهم في اليمن منذ مارس/آذار 2015 (أكدت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان لنا أن العدد المذكور يخص المدنيين، حيث أن بعض المصادر أطلقت لفظ “الناس” على القتلى). إلا أنه في سبتمبر/أيلول سنة 2017 ادعى تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بإن القتلى يبلغ عددهم خمسة آلاف فقط من المدنيين الذين قتلوا منذ مارس/آذار 2015. محاولة تفسير التغير في العدد أمر صعب، فمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تجمع معلوماتها من مرافق الصحة، لكن المفوضية لم تبلغ عن منهجيتها. فعلى سبيل المثال، لو أنهم يقومون بزيارة المواقع، فإنه سيتم منعهم من بعض المناطق، وهو أمر يمارسه الطرفان في الحرب، مما سيحد من قدرتهم على جمع المعلومات الدقيقة.

يظهر سجل الأمم المتحدة في الحرب الأهلية باليمن أنها كثيراً ما تتهرب من القضايا الرئيسية، مما يدفع المنتقدين إلى القول بأنها رهن مصالح الدول. هناك العديد من التقارير أصدرتها منظمات حقوق الإنسان الدولية تظهر أن الفصائل المتحاربة ارتكبت فظائع ترقى لجرائم الحرب. على الرغم من ذلك، فإن هذه التقارير لم تؤثر بقوة في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة أو هيئاتها الكبرى. في عام 2015، تبنى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ما وصفته منظمة هيومان رايتس ووتش بالقرار “المعيب للغاية” متخلياً عن مشروع قرار تحت قيادة هولندا بإنشاء لجنة تحقيق مستقلة، بسبب الضغوط التي مارستها السعودية “والدعم غير الكافي” من عضوي مجلس الأمن الدائمين، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. خلق القرار الذي تم تمريره هيئة تقصي حقاق تحت قيادة السعودية والحكومة اليمنية المقيمة بالرياض – الحلف الذي يقاتل ضد المتمردين في اليمن – ولم تقم هذه الهيئة بإنتاج تقارير ذات بال. في عام 2016، رفضت المملكة المتحدة طلبا آخر لتأسيس لجنة تقصي حقائق دولية ومستقلة. تعكس هذه المعركة غير المجدية من أجل الحقوق أكثر ما يرغب فيه أعضاء الأمم المتحدة المتنفذون في أي عملية محاسبة مستقبلية في حرب اليمن.

إذا نجحت المطالبة بلجنة مستقلة، فمن المحتمل أن ينتج عنها هيئة شديدة التحيز. إذن فهذه مخاطرة قد تؤدي ليس إلى فشل اللجنة في القيام بتحقيق مناسب فيما يتعلق بجرائم الحرب، ولكن الفشل في هذه المهمة سيضفي الشرعية على بعض الفصائل المتحاربة وأعمالهم، مما قد يزيد الوضع سوءا في الصراع، فقرارات الأمم المتحدة حتى الآن تظهر ذلك.

في عام 2011، قامت الأمم المتحدة، بمساعدة مجلس التعاون الخليجي، بقيادةاتفاق لنقل السلطة. بالرغم من ذلك، فإن الاتفاق لم يشتمل على عملية عدالة انتقالية، وضمنت الحصانة للرئيس السابق علي عبد الله صالح والأطراف في دائرته المقربة، مما فتح الباب لصالح كي يستمر في تأجيج الصراعات الداخلية. في عام 2015، أعطى تمرير قرار 2216 لمجلس الأمن شرعية دولية للعمليات العسكرية للائتلاف بقيادة السعودية بدعم من اثنين، هما الأقوى، من بين الدول أعضاء مجلس الأمن (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة). كان الدافع وراء هذا القرار هو خطاب كتبه الرئيس اليميني عبد ربه منصور هادي لمجلس الأمن يرجو فيه مجلس التعاون الخليجي “بأن يقدموا الدعم الفوري، وكل الوسائل والتدابير اللازمة، بما في ذلك التدخل العسكري، لحماية اليمن وشعبه من عدوان الحوثيين المستمر.” بالرغم من أن قرار 2216 تمت صياغته في إطار تحقيق السلام والاستقرار لليمن، إلا أنه كان هناك انتقاد خاص ضد الحوثيين. كان القرار بمثابة دعم معلن لجهود مجلس التعاون الخليجي، وفرض حظراً على توريد السلاح لصالح والحوثيين. لم تتم المطالبة بنزع السلاح سوى من الحوثيين. وقد صدر القرار بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وفتح الباب أمام التدخل الدولي وإضفاء الشرعية على النهج العسكري للتحالف الذي تقوده السعودية. وفي حين أن النزاعات الداخلية السياسية والعسكرية ليست جديدة في اليمن، فإن إضفاء الشرعية على التدخل العسكري الدولي بدون آلية لضمان حماية الحقوق يقوض الآليات التقليدية وحل النزاعات المحلية، ويزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية.

تعود أسباب الفشل الممنهج للأمم المتحدة في اتخاذ خطوات إيجابية نحو تحميل الائتلاف الذي تقوده السعودية المسئولية إلى أنها خاضعة للدول التي تمثلها وتعتمد على تمويلها. على سبيل المثال، فإن السعودية تمكنت من إجبار الأمم المتحدة على سحب الائتلاف الذي تقوده السعودية من قائمة العار السنوية بسبب الانتهاكات الذي ارتكبها ضد الأطفال في اليمن. من المفترض أن السحب جاء عقب تهديدات السعودية بسحب مئات الملايين من الدولارات من المساعدات التي تقدمها للأمم المتحدة، على الرغم أن السعودية تنكر أنها قامت بذلك.

ما يزيد من التقليل من شأن عمليات الأمم المتحدة في اليمن هو أن أحد أعضاء مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان هو السعودية، والتي تتمتع بالعضوية على الرغم من سجل حقوق الإنسان السيء لها وتصنيفها كدولة “غير حرة” في تقرير فريدم هاوس “الحرية في العالم”. شغل هذا المنصب من المفترض أنه يعطي الفرصة للترويج وحماية حقوق الإنسان وتعزيز آليات حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، لكن السعودية، على النقيض من ذلك، استغلته لمنع لجنة من المجلس من زيارة السعودية، واعتقلت مواطنين سعوديين تحدثوا لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

إن سلوك الأمم المتحدة حيال اليمن ليس بالسلوك غير المسبوق. في أثناء الحرب الأهلية في سيريلانكا بين عامي (1983-2009)، فشلت الأمم المتحدة في حماية المدنيين، وأظهرت ضعفاً في اتخاذ سياسات توقف الفظائع، والسبب الرئيسي في ذلك يعود لضغوط المملكة المتحدة، والتي كانت تحتفظ بصلات استعمارية في جنوب آسيا، وهناك مثال معاصر آخر، ألا وهو فشل مجلس الأمن في اتخاذ إجراءات حاسمة لإنهاء الحرب في سوريا.

وجه الاختلاف في حالة اليمن يكمن في أن الدولة الرئيسية التي تمنع الأمم المتحدة من اتخاذ إجراءات حاسمة هي السعودية، وهى ليست عضو في مجلس الأمن، وحتى لو هى عضو ليس لديها حق الفيتو. إلا أن الداعمين الأساسيين للسعودية هما الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وهما عضوان دائمان في مجلس الأمن. لدى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة علاقات اقتصادية وأمنية قوية مع السعودية، فهما يعتبران السعودية شريكاً لهم في مكافحة التطرف العنيف في المنطقة، كما أنهما يعتمدان على النفط السعودي، كما أن الدولة الخليجية عميل هام في شراء السلاح من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

بدون دعم سياسي كامل، فإن لجنة تقصي الحقائق ستكون غير مثمرة على الأغلب. ففي الشهر الماضي، استقالت كارلا ديل بونتي من لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في سوريا، مصرحة أن انعدام الدعم السياسي من قبل مجلس الأمن جعل من المهمة أمر مستحيل. إذا وضعنا في الاعتبار هذه التحديات، وحقيقة أن آليات الأمم المتحدة تسببت في تبعات مأساوية في الصراع اليمني، فإنه على الأمم المتحدة التفكير أولا في كيفية دفع السعودية والولايات المتحدة والمملكة المتحدة لإظهار رغبة سياسية لإنهاء حرب اليمن. يمكن للأمم المتحدة أن تستفيد من دورها كوسيط وأن تلفت الانتباه إلى التكاليف المالية والإنسانية بعيدة الأمد، والتأكيد على أن عدم الاستقرار في البلاد يشكل أرضاً خصبة لنمو الجماعات المتطرفة.

يتطلب إنهاء الحرب في اليمن وإحلال الاستقرار في البلاد التفكير في منهج يوازن بين الاحتياج إلى الأمن مع العدالة الانتقالية وتشكيل حكومة متجاوبة وديمقراطية. لا تعد هذه مهمة صغيرة، لكن الخطوة الأولى يجب أن تكون بإقناع الائتلاف بقيادة السعودية بإن هذه هي المصلحة الأفضل.

____________________________________________________________________
بقلم أفراح ناصر، نُشر المقال في الأول على مركز رفيق الحريري في  مركز الأتلانتيك بتاريخ ٢١ سبتمبر ٢٠١٧.